ولمّا ضعف عن القتال وقف يستريح ، فرماه رجلٌ بحجر علي جبهته، فسال الدم علي وجهه ، فأخذ الثوب ليمسح الدم عن عينيه (فـ) رماه آخر بسهمٍ مُحدَّد له ثلاث شعب وقع علي قلبه ؛ فقال :
بِسْمِ اللَهِ وَ بِاللَهِ وَ عَلَي مِلَّةِ رَسُولِ اللَهِ . وَرَفَعَ رَأْسَهُ إلَي السَّمَاءِ وَقَالَ : إلَهِي إنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقْتُلُونَ رَجُلاً لَيْسَ عَلي وَجْهِ الاْرْضِ ابْنُ نَبِيٍّ غَيْرُهُ !
ثمّ أخرج السهم من قفاه وانبعث الدم كالميزاب [19] ؛ فوضع يده تحت الجرح فلمّا امتلات رمي به نحو السماء وقال : هَوَّنَ عَلَيَّ ما نَزَلَ بي أنَّهُ بِعَيْنِ اللَهِ. فلم يسقط منذلك الدمِ قطرةٌ إلي الارضِ ! ثُمّ وَضَعها ثانياً فلمّا امتلات لطّخ به رأسَه ووجهَه ولحيته وقال : هكذا أكونُ حتّي أَلقي اللهَ وَجدِّي رَسُولَ اللهِ[20]
* وأعياه نزفُ الدمِ ؛ فجلسَ علي الارض ينوءُ برقبته ، فانتهي إليه في هذا الحالِ مالكُ بنُ النسر ، فشتمه ثُمَّ ضربه بالسَّيفِ علي رأسه ، وكان عليه بُرْنُسٌ فامتلاَ البرنس دماً ، فألقي البرنسَ واعتمَّ علي القَلَنسُوَةِ [21] . وروي البعض أنّه استدعي بخرقةٍ فشَدَّ بها رأسَهُ .
وضربه زُرعة بن شَريك علي كتفه اليُسري [22] ، ورماه الحُصين [23] في حلقه ، وضربه آخرُ علي عاتِقه، وطعنه سِنان بن أنس في ترقوته ثُمّ في بواني صدرهِ ثُمّ رماه بسهم في نَحْره [24] ، وطعَنَه صالح بن وهب فيجنبه. [25]
قال هلال بن نافع : كنتُ واقفاً نحوَ الحسينِ وهو يجودُ بنفسه ، فواللهِ ما رأيتُ قتيلاً قطّ مُضمَّخاً بدمه أحسنَ منه وجهاً ولا أنور ! ولقد شغلني نورُ وجهه عنالفكرة في قتله ! [26]
ولمّا اشتدّ به الحالُ رفعَ طرفَهُ إلي السماء وتضرَّع إلي ساحة الربِّ ذي الجلال قائلاً : صَبْراً عَلَي قَضَائِكَ يَارَبِّ ، لاَ إلَهَ سِوَاكَ ، يَا غِيَاثَ الْمُسْتَغِيثِينَ ! [27]
وأقبل فرسُه يدور حوله ويمرّغ ناصيتَه بدمه ويشمّه ويصهَل صهيلاً عالياً ، [28] ورُوي عن الإمام أبيجعفر محمّد الباقر عليه السلام أنّه كان يقول :
الظَّلِيمَةَ الظَّلِيمَةَ مِنْ أُمَّةٍ قَتَلَتِ ابْنَ بِنْتِ نَبِيِّهَا . [29]
وتوجّه نحو المخيّم .
ونادت أمّ كلثوم :
وَا مُحَمَّدَاهْ ، وَا أَبَتَاهْ ، وَا عَلِيَّاهْ ، وَا جَعْفَرَاهْ ، وَاحَمْزَتَاهْ ! هَذَا حُسَيْنٌ بِالعَرَاءِ صَرِيعٌ بِكَرْبَلاءَ . [30]
ونادت زينب :
وَا أَخَاهْ ، وَا سَيِّدَاهْ ، وَا أَهْلَ بَيْتَاهْ ، لَيْتَ السَّمَاءَ أَطْبَقَتْ عَلَي الاْرْضِ ؛ وَلَيْتَ الْجِبَالَ تَدَكْدَكَتْ عَلَيالسَّهْلِ . [31]
وانتهت نحو الحسين وقد دنا منه عمر بن سعد فيجماعة من أصحابه ، والحُسين يجود بنفسه ! فصاحت : أَيْ عُمَرُ! أَيُقْتَلُ أَبُو عَبْدِ اللَهِ وَأَنْتَ تَنْظُرُ إلَيْهِ؟!
فصرفَ بوجهه عنها ودموعُه تسيلُ علي لحيته . [32]
فصاحت : وَيْحَكُمْ أَمَا فِيكُمْ مُسْلِمٌ ؟!
فلم يجبها أحد ! [33] ثمّ صاح عمر بن سعد بالناس : انزلوا إليه وأريحوه! فبدر إليه شمر فرفسه برجله وجلس علي صدره ، وقبض علي شيبته المقدّسة ، وضربه بالسيف اثنتي عشرة ضربة ، [34] واحتزّ رأسه المقدّس !!